شره التسوق أصبح آفة من آفات العصر المنتشرة بكثرة في مجتمعاتنا، لا سيما مع التقدم في شبكات الإنترنت وتوفر الأسواق الإلكترونية. فأصبح الإكثار من شراء المقتنيات والسلع غير الضرورية موجود في كل بيت تقريبا ووصل إلى حد الإسراف. ولا شك أن في هذا بزخ لا سائغ له، وإهدار للمال. فالإسراف منهي عنه بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[i]. ووصف الله تعالى المُبذِّرِّين بأنهم إخوان الشياطين. قال: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)[ii]. وكرَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا إضاعة المال، لما فيه من الضرر، فقال: (إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)[iii]. وقد بين عليه الصلاة والسلام أن الانسان سيُسأل يوم القيامة عن ماله من أين أكتسبه وفيمَ أنفقه، فقال: (لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمرِهِ فيمَ أفناهُ؟ وعن علمِهِ ماذا عمِلَ بهِ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ، وفيمَ أنفقَهُ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ؟)[iv]. وذلك لأن هناك فقراء يُمكن التصدق عليهم بدلاً من الإسراف في شراء السلع التي لا ضرورة لها. كما أن في الإسراف مضيعة المال وإهدار للنعمة وعدم الحفاظ عليها.
أضرار الإسراف:
في الإسراف
مضيعة للمال وإهدار للنعمة، وعدم حكمة، ولا يأمن الانسان الفقر والفاقة مهما بلغ
غناه. وكم من غني افتقر بعد فقد ماله أو عمله. قال تعالى: (إِن يَمْسَسْكُمْ
قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ
نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)[v].
الإسراف لا
يورث صاحبه إلا زيادة في الولع بالدنيا وحباً لها والطمع في المزيد منها بحثا عن
الرضى، ولكن ذلك محال. فالرضى في الدنيا لا يحصل للإنسان إلا بالقرب من الله
والازدياد في طاعته ومحبته. قـال ابن القيِّم: "عشاق الدنيا بين مقتولٍ
ومأسورٍ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر"[vi]. فياله من وصف بليغ يصف حال أولئك الذين لا يكتفون ولا يرضيهم جبل أحد
ذهب. وليتذكر المسلم أن هناك أخوة له في الإسلام والإنسانية جمعاء يتضورون جوعاً
ولا يجدون قوت يومهم وما يسكتون به بكاء أطفالهم من الجوع. وإن القلب ليحزن والعين
لتدمع عن روية المشاهد التي وصل لها الحال في اليمن والصومال وغيرها من أماكن
المجاعات. وإن ما يجري في اليمن لا يرضي أي مسلم غيور على دينه. ولنستحضر قوله
تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَ ۚ
إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍۢ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَٰرُ)[vii]. ومن الغريب في الأمر هو تحدث الاعلام عن مشكلات المسلمين عامة، ولكن
يتجاهل تماما ما يجري في اليمن وكأن شيء لا يحدث هناك. فلم نسمع شيخ ولا قناة
إسلامية ولا عربية تتحدث عن الفقر في اليمن ومعاناتهم من الجوع والعزلة.
أمثلة لدوافع معقولة للشراء:
شراء
الملابس اللازمة للأسرة والأطفال.
شراء ما
يلزم من الطعام والشراب.
شراء منزل
لإيواء الأسرة.
شراء أثاث
جيد وأواني ولوازم المطبخ.
شراء
الأجهزة الكهربائية اللازمة للمنزل كالغسالة والبوتاجاز وغيرها مما يحتاجه عموم
الناس.
شراء مستلزمات
المدارس ولوازم العمل
شراء
الدواء وتكاليف العلاج والمستلزمات الصحية.
أمثلة لدوافع قد تدخل في حد الإسراف:
الإسراف في
شراء أجهزة الجوال
باهظة الثمن والتي تنخفض قيمتها بمجرد شرائها وإستعمالها. فمثلاً لو اشترى أحدهم
هاتف بسعر ستمائة دولار تصبح قيمته اربعمائة دولار بمجرد إستعماله في أول يوم.
ومنه شراء الهواتف ذات السعات الكبيرة جدا والتي لا يحتاجها الإنسان عادة، وكذلك تغيير
الهاتف كل سنة لمجرد ظهور طراز أحدث من الذي يمتلكه، أو تغييره بموديل أشهر لرياء
الناس أو مجاراة الأصدقاء، وبذل مبالغ كبيرة لشراء أجهزة ذات ماركات عالمية أكثر
شهرة. وكذلك شراء أجهزة سريعة جدا وباهظة الثمن فقط لتتحمل ألعاب الحاسوب الكبيرة. وأما شراء أجهزة أسرع ذاكرة وأكبر سعة
للتمكن من تشغيل برامج المحادثة وتخزين رسائل الواتساب والتليقرام ونحوها من
البرامج لأهداف التعليم والتواصل وغيرها مما لا منكر فيه فيكون مقبول، وكذلك بيع
الأجهزة القديمة واستبدالها بأجهزة أحدث لتشغيل البرامج النافعة الجديدة التي تعمل
على الأنظمة الجديدة فقط. وينبغي مراعاة زيادة أسعار الأجهزة مع زيادة التقدم في
التكنولوجيا وتكلفة الأجزاء المكونة لها قد تضطر الإنسان لدفع مبالغ عالية.
المبالغة
في شراء الملابس باهظة الثمن بكميات كبيرة جدا ... ونرى هذا منتشر في مجتمعاتنا
بين النساء ... حيث يذهبن إلى الأسواق ويبدأن بالتسوق بكل قوة وصرف أموال طائلة في
ذلك.
شراء الذهب
بكميات كبيرة مثل ما يسمى بـــــ"كرسي جابر" وشراء أساور الثعابين
الذهبية التي لا ينبغي شراءها ابتداءا لأشكالها المشابهة للثعابين، وشراء الماس
والمجوهرات باهظة الثمن. فهذه تكلف ثروات طائلة وليست ذات أهمية في حياتنا خاصة
إذا كانت أطقم كثيرة.
شراء
سيارات غالية الثمن ولا حوجة لها مثل سيارة فراري وباغان وغيرها من الموديلات ذات
السرعة العالية جدا والتي لا حوجة لإسراف الأموال الطائلة لشرائها.
شراء
الأواني المنزلية المطلية بالذهب والفضة، لا سيما بكميات كبيرة.
شراء اكل
المطاعم بإستمرار لمجرد الترفيه مع إمكانية الطبخ في البيت، مما يؤدي إلى صرف
مبالع طائلة يمكن توفير كثير منها عند تقليل الذهاب للمطاعم والتعود على الطبخ
المنزلى.
شره التسوق والإسراف في المشتريات
من منظور مقاصد القرآن:
الإسراف
صفة مذمومة ويتناقض مع مقصد تهذيب الاخلاق.
الإسراف
مضيعة للمال وقد يؤدي إلى الفقر، كما أنه يورث الملل وعدم الرضي عن النفس والشعور
بالذنب ويتناقض بذلك مع مقصد صلاح الأحوال الفردية والجماعية.
الإسراف
مخالف لما شرعه القرآن وهو يتناقض مع مقصد التشريع.
الاسراف
كثير ما يؤذي الفقراء والمحرومين وقد يؤدي إلى الحسد والحقد منهم مما قد يلحق
الضرر بالمسرفين ويتناقض بذلك مع مقصد صلاح الأحوال الفردية والجماعية.
النصائح والضوابط المقترحة:
وليحذر من
يبالغون في شراء السلع غير الضرورية أن هناك من يتمنى فعل ذلك وليس لديه المال
الكافي. فربما جلب له ذلك العين بقصد أو بغير قصد من المحروم كما أنه قد يجر عليه
الحسد من ذوي القلوب المريضة. والحسد صفة لا يخلو منها مجتمع؛ ولذا تعوذ منه النبي
صلى الله عليه وسلم وأمرنا بالتعوذ منه كل يوم في قراءة سورة الفلق يوميا مع أذكار
الصباح والمساء كما في قوله تعالى: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)[viii].
ينبغي ألا
يجرى المسلمين وراء المظاهر ويتنافسون بينهم فيمن عنده أغلى جهاز. فلو اكتفى الفرد
بالجهاز ذو السعر المعقول والذي تتوفر فيه الخصائص التي يحتاجها ثم يتصدق ببقية
المال لنفعه ذلك أكثر في الآخرة وقضى حاجته.
[i] سورة
الأعراف، آية ٣١.
[ii] سورة
الأسراء، آية ٢٦-٢٧.
[iii] أخرجه مسلم في صحيحه
عن أبي هريرة، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن منع
وهات وهو الامتناع من أداء حق لزمه أو طلب ما لا يستحقه، جزء ٥، صفحة ١٣٠، حديث
رقم ١٧١٥.
[iv] أخرجه الترمذي (٢٤١٧)
واللفظ له، والدارمي (٥٣٧)، وأبو يعلى (٧٤٣٤) باختلاف يسير، وأخرجه الألباني في
صحيح الترغيب (٣٥٩٢) عن أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد وقال حسن صحيح.
[v] سورة
آل عمران، آية ١٤٠.
[vi] ابن
القيم، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (٦٩١ - ٧٥١ هـ)،
بدائع الفوائد، دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)، حققه علي بن
محمّد العمران، الطبعة الخامسة، ١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م، باب حكم ومواعظ، جزء ٣، صفحة
١٢٢٤.
[vii] سورة
إبراهيم، آية ٤٢.
[viii] سورة
الفلق، آية ٤-٥.